المختطف يسائل المصالحة التاريخية

بقلم : عزيز إدامين

دأب الطيف الحقوقي المغربي على إحياء اليوم الوطني للمختطف الذي يصادف تاريخ 29 أكتوبر من كل سنة، وذلك لرمزية هذا اليوم في التاريخ السياسي المغربي، والذي فيه تم اختطاف الزعيم السياسي المهدي بن بركة سنة 1965 بباريس، والحسين المانوزي سنة 1972 بتونس.
الذكرى هذه السنة لها مميزاتها، ومنها أساسا التفكير الجماعي للحركة الحقوقية حول مال تنفيذ توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، والتي قامت أساسا على فلسفة المصالحة التاريخية عوض المصالحة الجنائية، ووضع ضمانات عدم تكرار ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان.
والميزة الثانية لهذه السنة، والتي هي موضوع هذه المقالة، وهو قرار مجلس حقوق الانسان الذي تقدم به المغرب بمعية مجموعة من الدول، وتم تبنيه، وهو قرار صادر بناء على البند الثالث من جدول الاعمال للدورة 33 لمجلس حقوق الانسان والصادر بتاريخ 23 شتنبر 2016 تحت عنوان “حقوق الانسان والعدالة الانتقالية”.
مضمون القرار يتناول مجموعة من النقط والتي لها راهنيتها في السياق والتجربة المغربيتين.
يؤكد القرار “أن مكافحة الافلات من العقاب في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان عامل مهم لردعها والوقاية منها”، ويعزز ذلك ب “أن مكافحة الافلات من العقاب وإعمال اليات العدالة الانتقالية بما في ذلك إحقاق الحقيقة والعدالة ووضع ضمانات عدم التكرار، يمكن أن يمنع تكرار الفظائع التي وقعت في السابق وما شابهها من انتهاكات”.
ويدين القرار الذي تقدم به المغرب رفقة مجموعة من الدول أمام مجلس حقوق الانسان “الافلات من العقاب على الانتهاكات والتجاوزات الجسيمة لحقوق الانسان …..وعلى “الدول” محاكمة المسؤولين عنها وإعمال حق الضحايا في الانتصاف الفعال.”
كما أن القرار أشار الى دور المحكمة الجنائية الدولية في الحد من الافلات من العقاب، كنظام متعدد الأطراف، بغية إرساء سيادة القانون.
ويضع القرار تصور عام بخصوص العدالة الانتقالية، بكونها “نهج شامل” تدمج فيه “كامل” التدابير القضائية وغير القضائية بما فيها الملاحقة القضائية وعمليات جبر الضرر تقصي الحقائق والاصلاح المؤسساتي…
وعلى أساسه فإن القرار المقدم والذي تم اعتماده في مجلس حقوق الانسان بجنيف تحت رقم A/HRC/33/L.10 ، يناشد الدول على اعتماد “استراتيجية شاملة من أجل العدالة الانتقالية واستحداث اليات قضائية وغير قضائية، وتلبية احتياجات الضحايا” (التوصية 4)، وإلى أهمية دور المجتمع المدني في منع تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان (التوصية 5).
وعلى أساس ما سبق فإن التجربة المغربية في سياق المصالحة التاريخية عرفت تفاعلا سلبيا من قبل القضاء المغربي بخصوص الدعوى القضائية التي رفعها رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة لدى الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بالرباط مند 13 دجنبر 2010 ، وذلك من أجل فتح تحقيق حول مصير مجموعة من مجهولي المصير المغاربة، وأيضا من أجل التحفظ على المعتقل السري “ب إف 3 ” والذي تشير بعض القرائن بكونه كان مسرح جرائم الانتهاكات الجسيمة.
كما أن قضية المهدي بن بركة من الناحية القضائية، ورغم التقدم الجزئي الذي أحرزه القضاء الفرنسي، فإنها لازالت تراوح مكانها لعدة أسباب من بينها ضعف التعاون القضائي المغربي الفرنسي.
ومن أجل طي نهائي لصفحة ماضي “سنوات الجمر والرصاص”، فهناك حاجة ملحة لنسخة ثانية من تجربة هيئة الانصاف والمصالحة، من أجل استكمال الكشف عن الحقيقة كاملة، ووضع استراتيجية عدم الافلات من العقاب، والحكامة الامنية وغيرها من توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، وتسوية الملفات التي لازالت عالقة سواء ملف مجهولي المصير أو ملفات المقدمة في اخر الاجال أو الملفات التي ظهرت بعد تقديم توصيات هيئة الانصاف والمصالحة والتي لم يكن العقل الحقوقي يتوقعها من قبيل الادماج والمواكبة…
إن التجربة المغربية الاولى قدمت فيها مجهودات كبيرة وحتى لا يضيع كل شيء ومن أجل أن يستمر المغرب في تقديم نموذجه المتفرد وتماشيا مع القرار الذي قدمه المغرب أمام المنتظم الدولي بمجلس حقوق الانسان، فمن الضروري وجود طبعة ثانية من تجربة العدالة الانتقالية المغربية، تتوفر على امكانات قانونية ومادية ومعنوبة قوية من أجل تحقيق المصالحة التاريخية أفقيا وعموديا، خاصة بين مكونات وأطراف المجتمع، سواء كان هؤلاء الاطراف سياسيين أو اقتصاديين أو اجتماعيين أو حقوقيين أو أمنيين…

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد