بلقاضي: ‘خطاب المٓلك في ذكرى 20 غشت سيكون تفعيلاً لخطاب العرش لمحاسبة المسؤولين عن تردي الأوضاع الاجتماعية والسياسية’

بقلم : ميلود بلقاضي

ينتظر الرأي العام المغربي- بشغف كبير- ما سيعلنه ملك البلاد من قرارات في خطاب الذكرى 64 لثورة الملك والشعب في حق من أشار إليهم خطاب عيد العرش الأخير، خصوصا بعد ما عرفه المغرب من أحداث بعد هذا ها الخطاب الذي وجه فيه ملك البلاد انتقادات قاسية للاحزاب ولزعمائها وللحكومة وأعضائها والى رجال السلطة والمنتخبين وكبار المسؤولين عن تدبير الشأن العام.

قساوة الخطاب الملكي اتجاه هؤلاء المسؤولين هو رد فعل ملك أحس ووعى بخطورة الأوضاع في كل أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية بكل أقاليم المملكة وليس إقليم الحسيمة فقط الذي ما زال يعيش على إيقاع الاحتجاجات التي من الممكن ان تتطور – الى ما هو اسوأ – في أي لحظة اذا لم تعد الثقة بين الدولة وأهل الريف.

خطورة الأوضاع دفعت الملك تشخيص أسباب الخطورة-بكل شجاعة وبلغة صارمة- ومن اهمها اتساع دائرة ثقافة الاستهتار عند الحكومة والأحزاب والسلطات والمنتخبين والمسؤولين استهتار مس حتى المشاريع التنموية الاستراتيجية التي توقع أمام ملك البلاد الأمر الذي يعكس في العمق أزمة ثقافة الحكامة الجيدة والدمقراطية التشاركية والكفاءة والمصداقية والنزاهة وقيم المواطنة وربط المسؤولية بالمحاسبة ، ومن ما يزيد من مخاطر هذا الاستهتار تزامنه مع سياق وطني ودولي مضطرب انهارت فيه الكثير من القيم ومن الوسائط الاجتماعية.
*سياق خطاب الذكرى 64 لثورة الملك والشعب: خطاب هذه السنة لن يتعال عن شروط سياق انتاجه العامة .سياق يطرح أسئلة حارقة من أهمها:

ماذا بعد خطاب عيد العرش ؟ أي قرارا ت سيتخذها ملك البلاد من موقعه الدستوري- الفصل 42- في حق الذين باعوه الوهم؟ لماذا استقل الياس العماري من الأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة في هذا الوقت بالذات ؟ ما هي أبعاد تصريحات بنكيران رئيس الحكومة السابق أمام انعقاد دورة شبيبة حزبه الحاملة لرسائل قوية و مشفرة لمن يهمه الامر؟ كيف سيتعامل الحراك بإقليم الحسيمة مع قرارات الخطاب الملكي؟ هل سيلعن الخطاب إعفاء لبعض الوزراء وقادة الأحزاب والولاة والعمال ومديري مراكز الاستثمار ورؤساء الجماعات ورؤساء الجهات ومديري بعض المؤسسات؟ ومديري مؤسسات اعلام القطب العمومي الذين يعيشون زمن ما قبل دستور 2011؟ وما هو مآل الحراك باقليم الحسيمة بعد خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب 64؟ وهل سيتم إعفاء بعض او كل معتقلي الحراك بالحسيمة؟ وما بعد اعفاء المسؤولين هل ستكون المحاسبة؟

يتبين من سياق الذكرى 64 لثورة الملك والشعب لهاته السنة انه سياق دقيق وصعب يوجد فيه المغرب في مفترق الطرق وليس أمامه الا السير وفق الخيار الديمقراطي رابع ثوابت البلاد وتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة لردع أجندات ومخططات قوى الفساد ومناهضي الإرادة الملكية في الإصلاح ،وهو ما أصبح موضوع حتى اهتمام الصحافة الدولية وهذا ما أشارت اليه الصحافية الفرنسية شارلوت بازونيت بجريدة “لوموند” في مقال تحليلي بالقول إن “خطاب الملك المقبل يأتي في سياق “مشحون” بالمقارنة مع خطاب العرش الأخير، خاصة مع إعلان وفاة عماد العتابي 25 عاما

*دالة ومغزى خطاب ثورة الملك والشعب : تعتبر ثورة الملك والشعب من الأحداث التاريخية التي لا يعتبرها ملك البلاد مجرد حدث للذكرى او للاحتفال بل انه يعتبرها لحظة هامة لاستحضار القيم والمبادئ التي صنعت ماضي المغرب والمحددة لمعالم حاضره ومستقبله.

انها لحظة/ ثورة وطنية متجددة وتلاحم بين الشعب والمؤسسة الملكية، انها ثورة الإرادة المشتركة للمؤسسة الملكية والشعب لمواجهة كل التحديات. انها رمز الوفاء لثوابت الوطنية ولمقدساته،. وتجديد العهد للوطنية المغربية وغاياتها ومطامحها ما أحوج مغرب 2017 اليها اليوم بعد تراجع قيم الوطنية والمواطنة وانهيار الوسائط الاجتماعية في زمن مضطرب وصعب.

والأكيد ان خطاب الذكرى 64 لثورة الملك والشعب لهذه السنة سيخلد الذكرى وفق رهانات إستراتيجية قوامها قيادة الملك مع شعبه ثورة جديدة من اجل استرداد قيم الوطنية والمواطنة وتفعيل ربط مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وإقرار سياسات عمومية تحقق العدالة المجالية والاجتماعية وفق ما صرح به خطاب عيد العرش الاخير.

*بين خطاب عيد العرش وخطاب ثورة الملك والشعب المغرب أمام مفترق الطرق: ينتظر المغاربة من خطاب الذكرى 64 لثورة الملك والشعب لهذه السنة ان يكون تفعيلا لمضامين خطاب عيد العرش الأخير عبر اتخاذ قرارات عملية وحاسمة ضد بعض أعضاء الحكومة والمسؤولين الكبار ورجال السلطة والمسؤولين المنتخبين وكل من ثبت في حقه التورط في الفساد او التخلي عن القيام بمسؤولياته ليس بإقليم الحسيمة بل بكل أقاليم المملكة لان مغرب القرن 21 بحاجة ماسة ومستعجلة لمبادرات وقرارات عملية وصارمة لاسترجاع الثقة المفقودة اليوم بين السلطة والمجتمع خصوصا بين فئة الشباب والدولة، وإقناع الرأي العام الوطني والدولي بان الخيار الديمقراطي الذي اختاره المغرب لا رجعة عنه مهما كان الثمن وبان مغرب الانتهازية والتحكم والريع بكل أشكاله قد انتهى وحان وقت ربط المسؤولية بالمحاسبة وليكن ذلك انطلاقا من أعضاء الحكومة وأعضاء البرلمان وكل أعضاء المؤسسات الدستورية وقادة الأحزاب لان ما قاله الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش الأخير هو ما يردده الشعب المغربي ليل نهار.، وحان الوقت لتفعيل المبدأ الدستوري ربط المسؤولية بالمحاسبة ،وهو ما تساءلت عنه الجريدة الفرنسية”لوموند” : “هل ستسقط رؤوس أخرى على غرار إلياس العماري، رئيس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة؟

لقد دق خطاب عيد العرش الأخير ناقوس الخطر وأكد بان بعض المسؤولين بالبلاد يريدون إفراغ مضامين دستور 2011 وما يمكن ان يفرزه ذلك من أخطار ومجازفات، في وقت ارتفع فيه منسوب الوعي عند المواطن مقابل انهيار الوسائط الاجتماعية وتخلف عقليات قادتها، وتزايد حالة الاحتقان الاجتماعي التي لم تعد تسمح بضغطٍ أكثر قد يؤدي إلى الانفجار في اي لحظة. لقد كان خطاب عيد العرش الاخير خطاب تشخيص جريئ وصادق حول قضايا هامة اتخذ فيها ملك البلاد قرارات ومواقف صارمة منها:

– تحميل الطبقة السياسية مسؤولية ما يقع بالبلاد محملا إياها الجزء الأوفر من مسؤولية تردي الأوضاع وفشل مجموعة من المشاريع، مطالبا إياها بالإنصات لهموم الشعب وتقديم خيرة نخبتها، والإبتعاد عن التطاحنات السياسية الضيقة وجعل احتياجات المواطن ومصلحة الوطن فوق أي اعتبار سياسي ضيق.

– التأكيد الواضح للملك عدم ثقته بالأحزاب والمؤسسات السياسية وبجزء كبير من الطبقة السياسية، معتبرا أن جلها يختبئ وراء القصر الملكي في لحظات الفشل، في حين تتسابق لقطف نتائج وثمار النجاح

-المطالبة بإقالة جميع المسؤولين الذين ثبت تورطهم في عرقلة المساعي التنموية، ومعتبرا أفعالهم وتصرفاتهم خيانة للوطن والشعب، مشددا على أن المغاربة سواسية أمام القانون
– مطالبة الملك بضرورة تفعيل جميع بنود الدستور الذي صوت عليه المغاربة بالإجماع وخصوصا ربط المسؤولية بالمحاسبة .

– نفى ملك البلاد أن تكون المقاربة الأمنية هي المتحكمة في تسيير أمور دواليب الدولة، معتبرا أن هناك توجه واحد لاغير وأن من يقول بوجود توجهين هو واهم ويسترزق من طرح هذه الفرضية، مشددا على الدستور يجبر الملك على التدخل وعدم البقاء متفرجا عندما يهدد أمن وحقوق المواطن، مع تشديده على احترام مبدأ فصل السلط.

– تاكيد العاهل المغربي بانه سيمارس اختصاصاته الدستورية لوضع حد لهذا الوضع المقلق كما هو منصوص عليه في الفصل 42 من دستور 2011

بعد هذا التشخيص الدقيق واتخاذ بعض القرارات واعلان بعض المواقف من طرف ملك البلاد في خطاب العرش الاخير تتجه كل الأنظار نحو كيفية تفعيل مضامين هذا الخطاب وعن نوعية القرارات التي سيعلنها خطاب الملك المرتقب في ذكرى “ثورة الملك والشعب يوم 20 غشت، لانه إذا كان خطاب “عيد العرش” خطاب التشخيص، فإنه يُنتظر من الخطاب الذكرى 64 لثورة الملك والشعب أن يكون خطاب القرارات بعد ان فقد المغاربة الثقة في الحكومة وفي الأحزاب وفي المؤسسات باستثناء ثقتهم بالمؤسسة الملكية التي تبقى الملاذ الأخير لذلك يرتقب بان يكون هذا الخطاب ثوريا بمناسبة ثورة ملك وشعب.

*خطاب ثوري في مناسبة ثورة الملك والشعب: يتفق جل المهتمين بالشأن السياسي والمؤسساتي والعارفين بطبيعة النظام السياسي المغربي ان خطاب الأحد القادم سيكون تفعيلا لمضامين لخطاب عيد العرش وخصوصا ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة لذلك سيحبس خطاب 20 غشت أنفاس بعض المسؤولين لكون الخطاب ذكرى ثورة الملك والشعب له رمزيته الثورية خصوصا في اللحظات الحرجة والصعبة التي يوجد عليها المغرب اليوم ، لانه بعد ما كان المغرب يمثل الاستثناء في الوطن العربي بدأت الاحتجاجات الجارية في إقليم الحسيمة وتداعياتها

تفرض طرح عدة أسئلة حول ما يسمى بالاستثناء المغربي حتى من طرف اكبر الصحف الغربية مثل صحيفة واشنطن بوست” التي خصصت مقالا تحليليا بعنوان:

المغرب يواجه اضطراباته بعد ست سنوات على الربيع العربي” ”

فهل ستكون قرارات خطاب الذكرى 64 لثورة الملك والشعب ثورة جديدة عمادها تلاحم الملك والشعب ضد الفساد السياسي والاقتصادي والانتخابي والمؤسساتي وضد من يستهدف اساءة الاستثناء المغربي الذي ترسخه سياسة الملك محمد السادس الداخلية والخارجية بذكاء وبعد نظر واقتناعه بان الثورة والديمقراطية تتناصبان العداء بدلا من ان تمهد احداهما الطريق امام الاخرى ؟ ALAIN TOURAINEكما يقول الان تورين

تلك مجرد اسئلة قد يجيب عنها خطاب الذكرى 64 لثورة الملك والشعب يوم20 ، وقد سيؤخر الاجابة عنها في الوقت المناسب لان هناك قناعات مشتركة بين الملك والشعب حول تفكك المجتمع السياسي وتقهقر السجال السياسي والمس بجوهر معادلة الديمقراطية بالتنمية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد