الاعفاء و “السخط” الملكي

بقلم : عزيز إدمين

يمزج النظام السياسي المغربي بين ترسانة من الاليات التقليدية غير المكتوبة وأيضا لاحكام الدستور، من أجل تدبير الحكم، وهو ما ترجم في بيان الديوان الملكي في عملية الاعفاء التي تعرض لها مجموعة من المسؤولين الحكوميين والاداريين، حيث استند في الاعفاء على الفصل 47 من الدستور، بعد توصل الملك بتقرير من قبل مؤسسة دستورية، وهي المجلس الاعلى للحسابات، وأيضا “لعدم رضاه” عليهم نظرا “لإخلالهم بالثقة التي وضعها فيهم، ولعدم تحملهم لمسؤولياتهم، مؤكدا أنه لن يتم إسناد أي مهمة رسمية لهم مستقبلا. ”
.
إن بلاغ الديوان الملكي الاخير، هو جزء من سلسلة البلاغات السابقة خاصة بعد اجتماع المجلس الوزاري في يونيو 2017، وما بعدها من الخطابات الملكية في مناسبات وطنية متفرقة، مما يوحي أن الملك حسم منذ البداية أن يتم ربط المسؤولية بالمحاسبة في ملف الحسيمة بشكل خاص وباقي الملفات الاخرى.
.
إن عملية الاعفاء و”السخط” بهذا الشكل والجوهر، تعتبر ممارسة جديدة واستثنائية في النظام السياسي المغربي، ومستفيدة من النتائج السلبية والسيئة ل”حملة التطهير” في أواسط التسعينات، ومع ذلك يمكن أن نسجل ايجابياتها:
دفعت عملية الاعفاء الى إعادة الامل الى جزء كبير من المغاربة، بأن يتابعون مصير وزراء يتم اعفاؤهم بسبب عدم كفأتهم وخيانتهم للامانة؛
.
شكل تحرك الملك في الاونة الاخيرة “صمام أمان” لوقف الاصطدام بين الدولة والمجتمع، بعد أن توارت المؤسسات الوسيطة (رسمية أو منتخبة أو مدنية) الى الوارء، وتركت “الشارع” يتحرك دون تأطير أو ضبط أو تواصل؛
.
وتبقى عودة “البلاغ” الى مفردات مستمدة من الحقل التقليدي والسلطاني، يطرح من جديد دور بعض وظائف الملك في إعادة ضبط إيقاع الحياة السياسية بالمغرب وتدبير مجال الحقوق والحريات.
في هذا الاطار نستحضر النقاشات التي انطلقت في نهاية التسيعنات من القرن الماضي وبداية الالفية الثالثة، حول أدوار إمارة المؤمنين، إذ من داخل حقل “أمير المؤمنين” تم إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الانسان في صيغته الثانية، وأيضا المعهد الملكي للثقافة الامازيغية وتعديل مدونة الاسرة، وإعادة هيكلة الحقل الديني بعد أحداث 16 ماي، وأيضا إحداث هيئة الانصاف والمصالحة … أي أن من داخل هذا الحقل التقليدي (أمير المؤمنين) بزغت مؤسسات وتشريعات واليات للحقوق والحريات، مما جعل بعض فقهاء القانون الدستوري يعيدون قراءة أدوار “امير المؤمنين” بمنظار جديد ووظائف جديدة.
إن الغاية بالعودة لهذا المثال، هو كيف نجعل من الغضبة الملكية وعدم رضاه، مدخل للمحاسبة وتقييم السياسات العمومية وتقويم الاختلالات؟ كيف نستثمر المجال التقليدي لصالح توسيع هامش بناء المؤسسات ودولة القانون؟
أكيد أن ربط المسؤولية بالمحاسبة، تتجاوز مسألة الاعفاء وصولا إلى العقاب والمحاكمة العادلة، كما أنه مطلب جزء من الشعب المغربي، ولكن ما صدر في بلاغ الديوان الملكي يشكل هزة في بنية النظام السياسي المغربي الغارق في التقاليد، وغير معهود في الحياة السياسية المغربية، والذي أقصى ما يمكن أن يقدمه في مثل هذه الحالات هو الاعفاء بناء على الفصل 47 والمنبوذون في الارض بناء على “سخط” السلطان.
.
ويبقى في الاخير هل من ملتقط لهذه الاشارات؟.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد