هكذا ذاق المغاربة على مر التاريخ طعم الأحزان في عيد الأضحى

زنقة 20 . الرباط

يحتل عيد الأضحى مكانة خاصة بين أعياد المسلمين، ويرتبط بقصة ابراهيم عليه السلام عندما أراد التضحية بابنه اسماعيل تلبية لأمر الله. ويشكل هذا العيد إلى جانب عيد الفطر أبرز مناسبتين دينيتين عند المسلمين، بل إن المغاربة ودول المغرب العربي عامة تسميه «العيد الكبير» ما يدل على مكانته بين الأعياد.

لكن على الرغم من مكانة هذه المناسبة الدينية وطقوسها، إلا أن المغاربة حرموا منها عدة مرات، لأسباب مناخية واقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية.

ومن خلال مراجعة لتاريخ المغرب المعاصر يتضح تعدد حالات الاستثناء التي صادرت حق المسلمين المغاربة في الاستمتاع بجاذبية عيد ليس ككل الأعياد. فرضت الحروب على المغاربة القفز على العيد، فلا معنى للفرحة في ظل النكد، لا سيما وأن تجنيد عدد كبير من المغاربة ضمن الكتائب الاستعمارية والدفع بهم في الجبهات المتقدمة من الحروب في أوربا والهند الصينية، جعل الكثير منهم في خبر كان وحرم بالتالي أسرهم من نعمة العيد.

ولعب الجفاف دورا كبيرا في مصادرة العيد، خاصة حين يتحالف القحط مع الأوبئة الفتاكة التي ضربت مغرب عهد الحماية، لذا صرف أغلب أفراد الشعب، أو ما تبقى منهم، النظر عن أضحية العيد لأن الظروف المناخية والصحية أجهزت على البشر والأنعام، بل إن منع نحر الأضاحي لاعتبارات اقتصادية غالبا ما يتطلب قرارا ملكيا معززا بفتوى علماء الدين.

لعبت السياسة دورها في إبطال فرحة العيد، حين تعرض المغرب لمواقف استدعت تأجيل الفرح، خاصة حين تتزامن أحداث سياسية مع عيد الأضحى، إذ رفض كثير من المغاربة نحر الأضاحي تضامنا مع ضحايا حرب الرمال سنة 1963، أو حين طرد الجزائر آلاف المغاربة ورمى بهم نظام بن جديد على الحدود والناس تنتظر قدوم العيد.

وعاشت أسر وعائلات منفذي ومدبري الانقلابات التي شهدها المغرب في بداية السبعينات، ما يشبه القطيعة مع عيد الأضحى، بعدما نفذت أحكام الإعدام رميا بالرصاص في ليلة النحر، فأصبح العيد بلا طعم ولا رائحة.

قٌتل الرجال فصدرت فتوى تبيح للنساء نحر الأضاحي في الحرب الأهلية الإسبانية التي استمرت من سنة 1936 إلى 1939، قتل مئات المغاربة من أهالي الريف وآلاف الإسبانيين الذين جندهم الجنرال فرانسيسكو فرانكو في حرب لا يعرفون أسبابها وأهدافها، لكنهم كانوا يدافعون عن لقمة عيش أسرهم، لأن التجنيد يمنحهم راتبا شهريا وخبزا وسمكا.

«كنا نصلي على سيدنا محمد ونردد الأذكار قبل أن نشن الغارات، وكان الإسبان المذعورون يحاولون الفرار فور سماعهم أصواتنا»، يروي شاهد على عصر الحرب المدمرة، التي شارك فيها مغاربة قاصرون أوهمهم أتباع فرانكو بأنهم في مواجهة الشيوعيين «الكفرة»، مستغلين سذاجة المجندين، الذين لم يكونوا على علم بأنهم يقاتلون ضد حكومة دستورية مشروعة متحالفين مع الدكتاتور فرانكو.

تحالفت الحروب والجفاف والمجاعات ضد المواطن الريفي البسيط، فكانت لها عواقب وخيمة في شمال المغرب، على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي بل وحتى الديمغرافي، حيث تكبد الأهالي خسائر بشرية هامة أخلت بالتوازن الديموغرافي، وهذه الخسائر تثبتها بعض الحقائق التاريخية إذ أن «الذين عبروا البحر سنوات 1936-1937-1938، لم يعد منهم إلا القليل، حاملين معهم أعطابا وإعاقات جسدية شتى، وهذا النزيف الديموغرافي هو الذي جعل بعض المداشر في الريف الشرقي لم تجد رجلا بالغا يذبح أضحية عيد الأضحى المصادف للسنة الثانية من الحرب أي عام 1937».

في ظل هذا الوضع، استصدر فقهاء المنطقة فتوى دينية يسمحون فيها للمرأة بنحر أضحية العيد «شريطة أن تكون محملة على ظهرها بابن بكر»، وهذه الفتوى شهيرة في حوليات الحرب الأهلية الإسبانية بالريف، تكشف أن غالبية رجال المنطقة جندوا في تلك الحرب ولم يبق بها سوى النساء، كما ورد في كثير من الروايات التاريخية.

حين أكل المغاربة لحم العيد بدون خبز :

جاء في كتاب «آثار وانعكاسات الحرب الأهلية الاسبانية على شمال المغرب من خلال المكتوب والموروث الشفهي -الريف نموذجا، للباحث الحسين بوجدادي، أن المغاربة اضطروا لأكل لحم عيد الأضحى بدون خبز، حين «ارتبط هذا الحدث بعام الجوع، وبالضبط سنة 1941، والذي تميز بطوابير الأهالي أمام مكاتب التموين التابعة للسلطات الاستعمارية المحلية، للبحث عن دقيق الطحين لعجن الخبز، وتزامن ذلك وحلول عيد الأضحى، فقام الأهالي بنحر أضاحي العيد، إلا أنهم تناولوا وجبات الأكل من غذاء وعشاء والمتكونة أساسا من اللحم المبخر أو المطبوخ، بالملاعق الخشبية في ما يخص المرق وباليدين في ما يخص اللحم وبدون خبز. وهذا ما لا يستسيغه أهالي الريف ولهذا بقي عالقا في ذاكرتهم الجماعية».

وحسب المؤرخ الراحل جيرمان عياش فإن مجاعة عام 1945 هي الأخطر على الإطلاق في تاريخ المغرب، «لم يشهد المغرب مثيلا لها منذ عهد المولى إسماعيل، إذ عانى المغاربة خلالها من استنزاف خطير للمواد الغذائية من طرف المستعمر الفرنسي لتمويل المجهود الحربي الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية.

وتميز عام 1945 بنقص كبير في التساقطات المطرية، لم تشهد البلاد مثيلا له منذ نصف قرن وتوالى على البلاد طقس جاف امتد على عشرة شهور اضطر معه الناس للقيام بصلاة الاستسقاء عدة مرات».

صرف أغلب المغاربة النظر عن أضحية العيد، واضطر عدد من الفلاحين إلى بيع أراضيهم بأسعار بخسة، بل هناك من باعها مقابل كمية من المواد الغذائية تسد الرمق، بل إن عددا من الإقطاعيين ورجال المخزن تراموا على أراضي هلك أصحابها جوعا.

«ساق الكثير من الناس قطعانهم إلى الأسواق نظرا لقلة الكلأ وقلة الماء رغبة منهم في التخلص منها ولو بأبخس الأثمان»، حسب المصدر نفسه. في ظل هذا الوضع المأساوي أصبح الحديث عن العيد ضربا من الجنون.

وتقول رواية شفوية لأحد الناجين من عام الجوع إن شيخ القبيلة ذبح خروفا يوم العيد، ففتح تحقيق حول القضية من طرف السلطات البيطرية الاستعمارية، ومنع أفراد القبيلة من تناول أضحية في عيد «سري». لا عيد في وجود السلطان بن عرفة.

كانت أحداث الدار البيضاء وبعدها زيارة السلطان محمد الخامس لطنجة وخطابه الشهير، إيذانا ببداية عهد جديد في علاقة القصر بالسلطات الاستعمارية، حيث سيمتنع السلطان عن توقيع الظهائر، والمصادقة على قرارات الإقامة العامة. كما سيبدي بشكل علني مواقفه المساندة لسياسة الوطنيين.

وقتها لم تجد سلطات الاستعمار من حل غير الاستعانة بالأعيان الموالين لها والمجتمعين وراء عميلها الكلاوي، باشا مدينة مراكش، لتقرر التخلي عن محمد بن يوسف، إذ اجتمع يوم 20 مارس 1953 بالمدينة الحمراء كل باشوات المدن المغربية الكبرى، إضافة إلى 20 قائدا، ليحرروا عريضة تسير في اتجاه سحب الشرعية الدينية عن السلطان سيدي محمد بن يوسف كإمام للمغاربة.

أما البديل الذي اختارته الحماية الفرنسية، فلم يكن غير محمد بن عرفة، الذي سماه الوطنيون بالسلطان الدمية، وقاموا بعرقلة إقامة حفل عيد الأضحى، الذي تزامن مع توليه العرش، ضدا على إمامته صلاة العيد ونحر الأضحية.

وظهر خلال هذه المناسبة أن ابن عرفة غير مؤهل ليكون سلطانا للمغاربة، فيما كان المصير الذي ينتظر السلطان الشرعي هو النفي إلى جزيرة كورسيكا ثم مدغشقر.

وامتنع المغاربة مرة أخرى عن نحر أضحية العيد، فعلى إثر قرار الإقامة العامة القاضي بنفي السلطان محمد الخامس في 20 غشت 1953 إلى جزيرة كورسيكا ومنها إلى مدغشقر.

جاءت المبادرة من حزب الإصلاح الوطني بقيادة عبد الخالق الطريس، في المنطقة الواقعة تحت نفوذ الحماية الاسبانية، حيث قام أهالي الريف بالامتناع عن نحر أضحية عيد الأضحى، تنفيذا لبيان صادر عن الحزب و«استنكارا منهم لما أقدمت عليه القوة الاستعمارية الفرنسية، وبتواطؤ مكشوف من مجموعة من القواد والباشوات المغاربة ذوي السلطة الكبيرة في بعض المناطق وكذلك بعض شيوخ الزوايا ذوو النفوذ المذهبي الديني في كثير من المدن والقرى من أجل عزل السلطان محمد الخامس ومبايعة محمد بن عرفة».

استجاب المغاربة للنداء وامتنعوا عن نحر الأضحية ومنهم من اشتراها ووزع لحمها على أبناء الشهداء وأسر المعتقلين. شوريون يقاطعون الدم بعد معركة سوق الأربعاء لم يكن أحد يعتقد أن الخلاف البسيط بين هيئتين سياسيتين حول أمور تنظيمية، سيصل إلى حد إراقة الدماء وإثارة الصخب في قرية هادئة بمنطقة الغرب اسمها أربعاء الغرب. وأن الحدث الدامي سيدفع الشوريين إلى الامتناع عن نحر أضاحي عيد الأضحى تضامنا مع ضحايا ماتوا بسبب صراع سياسي.

أصل الحكاية خلاف تنظيمي بين الهيئات الحاضرة في حفل لم يكن ليلزم الناس بحضوره، لأن الأمر يتعلق بزيارة العامل المحجوبي أحرضان لمنطقة ترابية تحت نفوذه، اشتعل الصراع بعد ملاسنات بين استقلاليين وشوريين كانوا يؤطرون كشافة تابعين لهذا التنظيم.

يروي عبد الواحد معاش عن هذه المذبحة بكثير من التأثر «هي مذبحة كبرى حصلت بسوق أربعاء الغرب، قتل خلالها 18 شابا شوريا من الكشفية، وكنت حينها أدرس بالقرويين بفاس، كانت مذبحة مشينة مازالت موشومة في ذاكرتنا.

جل من غادروا فاس، غادروها خوفا من أن يغتالوا أو يطاردوا، وهم كثيرون مثل الحاج معنينو الذي هرب وأصبح يبيع البيض في الشمال، وكان نشيد الاستقلاليين المغرب لنا لا لغيرنا يكفي لفهم الهيمنة الحزبية». ويضيف الأمين العام للحزب الشوري، «قاطع الشوريون العيد وامتنعوا عن النحر، وكانوا يقولون ما الجدوى من استعمال السكاكين والسواطير، وقد استخدمها الاستقلاليون في معركة كشفت عمق الخلاف بين حزبين، فقد استبدل السياسيون الأقلام والحناجر بالسيوف، واختلط الحابل بالنابل حتى نسي الوافدون على سوق أربعاء الغرب أسباب الصراع الدامي الذي بدأ بتصفية العربي السفياني المسؤول عن فرع حزب الشورى الذي طالب بإنهاء فكرة الحزب الوحيد.

وبالرغم من كون الإدانة لم تكن في حاجة إلى شهود أو دلائل إلا أن المحاكمة التي دامت شهورا انتهت ببراءة المدانين أمام استغراب الجميع بما فيهم هيئة الاتهام. والأغرب أن يعتقل شبان كانوا يروجون لفكرة مقاطعة العيد تضامنا مع ضحايا سوق أربعاء الغرب.

الصراع بين الغريمين التقليديين آنذاك ظهرت أعراضه أيضا حين قسم الحزبان الاستقلال والشورى العاصمة الرباط إلى قسمين، ففي استقبال الملك محمد الخامس إثر عودته من المنفى اصطف أنصار الحزب الأول على اليمين وأنصار الحزب الثاني على اليسار، وظلا يتبادلان الملاسنات.

إعدام مداهمي «مولاي بوعزة» في ليلة العيد في صباح اليوم الثاني من نونبر 1973، أصدرت وزارة الأنباء بلاغا صحفيا حول قضية مولاي بوعزة، وكشف عن أسماء المحكوم عليهم بالإعدام بعد المحاكمة العسكرية للقنيطرة.

نفذ الإعدام يوم الفاتح من نونبر 1973 في الساعة السادسة صباحا و38 دقيقة بالسجن المركزي بالقنيطرة، بحضور رئيس المحكمة ووكيل الملك ومحامي الدفاع، وهو تاريخ صادف احتفالات عيد الأضحى.

قدم البلاغ أسماء المعدمين وهم: عمر دهكون، عبد الله بن محمد، أيت لحسن، بارو مبارك، بوشعكوك محمد، حسن الإدريسي، موحا نايت بري، تفجيست لحسن، أجداني مصطفى، يونس مصطفى، أمحزون موحى، ولحاج، بيهي عبد الله الملقب بفريكس، دحمان سعيد نايت غريس، أيت زايد لحسن، حديدو موح، محمد بلحسين الملقب بـ«هوشي منه»، واختزل جريمتهم في «محاولة قلب النظام» وهي التهمة التي تكفي لوقوف أصحابها أمام القناصة.

عن جريدة الأخبار

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد